السبت، 25 فبراير 2012

دماء واهية (قصة قصيرة)


جنون تلك الحياة أبعد تلك الحياة العامرة يموت ذلك الجسد النابض بألوان البهجة والحيوية ويموت معها كل معنى للرحمة ؟ إنها شوقية والدة الفتاتين التى رحلت إلى دار الحق تاركة اليتيمتين فى دنيا بلا قربى تكفلهما .
نسرين وأمل فتاتين فى مقتبل العشرينيات وان كانت أمل تكبر أختها بعام وبضعة شهور تنطق ملامحهما بذلك الوهج الشاب ويفيض جسديهما بنتوء الصحة والجمال .
بلا مال وبلا أقارب وإن كانتا فى الحياة مازالتا تتنفسان فموت ضمير يكفلهما فسرعان ما أعدتا العدة وطلبتا الرحال إلى شقة كان المرحوم الوالد قد اشتراها فى السادس من أكتوبر واستقر بهما المقام فى تلك الشقة وفى غمرة البحث عن حياة جديدة وجدت أمل عملا بأحد المحلات والأخرى عملت فى إحدى المحطات الفضائية ومالبثت الحياة أن أخذت مجراها الطبيعى لايشوبها جديد سوى نظرات الناس التى بدأت تحوم حولهما كنسور جائعة ونظرات مسمومة ترتاح على ظهريهما فى رواحهما للعمل وغداتهما منه إلا أن ذلك لم يكن بالأمر الشديد والقاسى فقد تعودتا لطمات الدنيا فجلدتا على أثرها وانطلق العمر يجر فى سنيه جرا والفتاتين فى ذلك قد صقلتهما مواطن الضعف فى نفوس الناس غير الحاجة لكل شىء إن كان مالا أو أمانا أو رحمة .

************
" أنا أحب يا إلهام " قالتها نسرين فى انشراح منكفىء على لون وجهها البض .
أطاحت الكلمة بهدوء أمل التى كانت تملك عقلا راجحا ورثته عن والدتها وقالت بهدوء لا يناسب ما يتأجج بصدرها من خوف وقلق وقالت :" ومن هو؟"
قالت نسرين بحماس :" زميل لى فى المحطة واسمه مدحت وستحبينه فهو طيب وكريم ويعاملنى بصدق "
-" وما أصل تلك الثقة التى توليها له؟ "
-"عرفته عاما كاملا ولم أر منه سوى كل خير "
-" ألم يحدثك فى أمر ما يخص الزواج أوشىء من هذا؟ "
-" بلى ولهذا أقول لك فما رأيك ؟"
صمتت أمل هنيهة تحدث نفسها :" آه منك يا دنيا... أخيرا تخبئين أم شرا كعادتك ؟" وقالت بغمغمة مسموعة :" أخاف عليك يا نسرين فنحن ضعفاء وكما تعرفين وليس لنا أحد حتى جيراننا يستعفون منا ككلاب "
قالت نسرين بحماس مشوب بأسى بدا جليا بصوتها :" لا تخشين على ياعزيزتى سترينه ومافيه الخير يكون ."

***********
كان لقاء أمل ومدحت كلقاء الكبار لا يشوبه كدرسوى مزاح نسرين التى تمتلىء حيوية وبهجة لم تكسرها الأيام ولطماتها ووجدت فيه أمل شابا كريما تنطق سريرته بالصدق وروت له ظروفها هى وأختها ولم تدهش حين علمت أن مدحت يتيما مثلهما لم يعهد للحنان طعما فى حياته القصيرة وعرفت سر قبوله لوضعهما شبه الشاذ وخطب الإثنان لبعضهما وكانت ليلة رائعة ترتسم فيها الفرحة دموعا وطمأنينة لم تعهداها منذ زمنا ليس بالقليل .

***********
السماء تنذر بغضب فى ليلة شتوية قد تراكمت فيها الغيوم واختفى القمر ولم يعد ثمة سائر فى تلك الظلمة سوى شبحين أحدهما لشاب والآخر لفتاة ولم يكونا سوى نسرين وخطيبها الذى ودعها عند باب العمارة وتركها عائدا لحاله وهناك من بعيد لاح أربعة شباب قد اتخذوا من الأرض مجلسا وصفت أمامهم زجاجات الخمر وفى أيديهم تنفث دخانها الأزرق سجائر الحشيش تتهادى ضحكاتهم وسبابهم الفاجر ولم يزالوا على حالهم حتى مر أمامهم الشاب الذى مر منذ قليل مع فتاة التى يعرف أحدهم أنها تسكن واختها بمفرديهما ودون اتفاق تناقلت الأعين إشارة ما ونهضوا من موضعهم ومضوا الى العمارة فدخلوا الشقة عنوة ولم تكد تراهم نسرين حتى ارتفع صراخها لولا أن امتدت يد وكتمت فاها وخرجت أمل من غرفتها على أثر الصرخة المكتومة فانقض عليها الشباب وحدث ماحدث .

***********
خوف وهلع من أن تعرف الجريمة التى ينطق جسدى الفتاتين الصامتتين ودماء وسحجات زرقاء أوسوداء وشواهد أكثر وهروب الشباب الى الخارج مشاهد لن تنسى كغمامة سوداء قد سطرت بالدموع فى القلب .
وهذا مشهد آخر يقف فيه مدحت أمام نسرين الى تعطيه خاتم الخطوبة و مشهد آخر لها وهى تقدم استقالتها ولا سبب معروف ، ومشهد آخر لأمل وهى تدخل على أختها غرفتها وتراها مسجاة على الأرض جثة هامدة ومشهد أخير لقصاصة من جريدة ما تطير فى الهواء وتبدأ فى التهاوى لتستقر على الأرض
وقد لاح فيها خبرا مكتوب " انتحار فتاتين فى شقتهما بالسادس من أكتوبر ".






4 التعليقات:

روح الأمل يقول...

شكرا على تعليقك الجميل أتمنى أن تقرأ ردى عليه
تبدو موهبة الكتابة واضحة عندك أتمنى لك التوفيق دائما

روح الأمل يقول...

عزيزى محمد
اللى بكلمك عنه ده اختبار الناس اختبرته يعنى تجربة ممكن أى حد يجربها ويمر بيها من ضمن التجارب دى التأمل التجاوزى
فى حاجة ملاحظاها انت شاكك فى كل حاجة حتى العلم طب قولى انت مؤمن بايه وازاى ممكن تصدق الا اذا جربت وحسيت بنفسك وايه الدليل على الكلام اللى انت بتقوله ده؟ يعنى لو عاوز تقنع حد ان الدين خرافة والعلم كمان خرافة لازم يكون عندك دليل؟ انت موجود أهه وبتكلمنى ايه دليل وجودك ؟ كلامك اللى انت كاتبه يعنى لازم يكون فى اثبات انك موجود وبتكلمنى
سؤال أخير هل اختبرت الحب؟ واوعى بقى تقولى مفيش حب فى الدنيا
على العموم فى كتاب جميل ساعدنى قوى أعرف الهدف الحقيقى من الخلق مش عارفة ممكن أبعته ليك ازاى على العموم هو كتاب بالانجليزى اسمه حرية الاختيار
كمان حتضطرنى انى أبعت لك مقالة لمريم نور عن الألوهية وعلى فكرة هى اتكلمت برده عن الملحدين وسبب عدم اايمانهم
اذا العلم كذب والدين كذب فالحياة اختبار مش بقولك آمن عميانى لكن بقولك اختبر
على فكرة فى كتاب كمان ممكن أديك منه اختبار بسيط تجربه وتشوفه صح ولا لأ الكتاب اسمه قانون الجذب
ملخص الكتاب ده ان لو فى شئ بتفكر فيه وتتخيله وعاوزه حتلاقيه قدامك جرب الكلام ده على حاجة ضايعة منك غمض عينك وتخيلها وشوف لو كنت حتلاقيها بسرعة ولا لأ

روح الأمل يقول...

مش عارفة ليه كل الملحدين اللى اتكلمت معاهم مش فاهمين الحتة دى يعنى ازاى كانت ارادة الله أنه نؤمن بيه بمحض ارادتنا دون اجبار من غير ما يكون فيه شر مادام فيه ارادة حرة لازم حيكون فيه خير وفيه شر
يعنى لو جالك واحد يزورك وقلتله قدامك اختيارين يا اما تاكل لحمة أو تاكل فراخ وحطيت له طبقين لكن كان كل ما يمد ايده عشان ياكل من طبق اللحمة تضربه وتعوره ماهو أكيد فى الآخر حياكل بس من طبق الفراخ وتبقى انت كدة أجبرته بطريق غير مباشر انه ياكل الفراخ بس وكنت بتضحك عليه لما قلتله انك حر اختار اللى انت عاوزه
وبعدين عندنا فى الاسلام حاجة مشهورة قوى انه زمان لما كان الشر يستفحل كان بمعنى أنه يسيطر على بلد بحالها كان ربنا بينزل العقاب من السماء عليهم زى قوم عاد اللى اكتشفت حديثا مدينتهم تحت الأرض فى السعودية والمدينة مبنية بأكملها على الجبال كمان قوم ثمود بيوتهم كانت موجودة واسمها الحجر لكن هما مش موجودين ماتوا واتخشبوا فيها وفضلت البيوت دى علامة على عقاب الله
يعنى ربنا مش سايب الأرض يحصل فيها اللى يحصل دون عقاب العقاب ده بقى هو نتيجة الذنوب تراكم الذنوب وكترها بيجلب العذاب دى نتيجة زى ما تحط ايدك فى كبس كهرباء وتتكهرب ده مش عقاب دى نتيجة للفعل الخاطئ اللى انت عملته
وربنا حذرنا من مجموعة من الألآفعال السيئة مش لأنه عاوز يتسلط علينا ويجبرنا على فعل شئ لكن لأنه خلق الكون ده بنظام وعلم والفعل السئ فى حد ذاته بيجلب شئ سئ زى قانون الكارما المعروف لأنه بيأثر فى الكون كله وبيعمل موجة سلبية تنتقل فى الكون وتنعكس على صاحب الفعل السئ
أما بعد بعثة سيدنا محمد فقد كتب على المؤمنين محاربة الشر والفساد كما فى الآية:"كتب عليكم القتال وهو كره لكم"
كمان فى آية تانية :"قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم"
بمعنى ان احنا كتب علينا محاربة الفساد فاذا اخترنا ان احنا نحاربه حنلاقى ربنا ساعدنا واذا سبناه حيستفحل زى ما حصل تمام فى الثورة اللى حصلت دى
وطبعا نتيجة الشر المستفحل كارثة طبيعية لأن الشر بيخل بنظام الكون وبيعمل موجات سلبية تتسبب فى كارثة طبيعية زى ما حصل فى أندونيسيا التسونامى اللى حصل كان على شاطئ مدينة مشهورة بأقذر أنواع الدعارة وهى دعارة الأطفال واستغلالهم جنسيا وكانت الحكومة عارفة ومطنشة لغاية ماخدوا نتيجة تطنيشهم المدينة غرقت باللى فيها
انت نفسك يا أخ محمد مثال على الارادة الحرة أديك اخترت تكفر بالله وبالأديان كلها حصلك ايه هل اتسخطت بقيت قرد مثلا ما انت عايش أهو انسان عادى متمتع بكل النعم لا اتعميت ولا اتشليت وبتكتب على النت أهو آخر حلاوة لأنه مفيش اجبار على الايمان "لا اكراه فى الدين"

محمد المصرى يقول...

حبيت جدا كونى حالة بتحاولى تشخصيها لكن صدقينى أنا وصلت لقناعة تامة بحالى وبرفض جدا انى أتحول لأيقونة نجحتى فى علاجها فى حياتك وحقيقى كلامى ده مش محاولة منى للاحباط بشكل ما
تانى حاجة أنا فلسفتى للى خلقتها لنفسى فى الحياة مش قائمة على الالحاد لأنى مالاقيتش فى الالحادفائدة كونى لا اقدس العلم كما الملحدين لأنى اكتشفت انها تحرر من الاديان بالدخول فى دين بشرى أثبت انه فاشل أما عنى فانا مؤمن جدا بالاسلام ولكن ايمانى فيه بعض اللغط جارى علاجه وبالنسبة لقصص الغابرين فانا على يقين تام بيهم بس كل هدفى هو ((ليه ))
تالت حاجة وهى توضيح ليه أنا شاكك فى العلم وبعض الدين لأن الحكاية أكبر من كدة أنا قلتلك احنا للأسف أهل عقاب بسبب تفاحة ومحاولاتنا لجلب السعادة صدقينى نتيجتها لحظية وده لأن كفة المآسى الانسانية راجحة دائما أما كفة السعادة حتى وان كانت هناك سعادة فى الآخرة فتلك مرهونة بعمل وكفاح من اجل ارضاء الله
لسه كلامى مخلصش هكمل ليلا